27/02/2021 - 13:05

حوار | كيف أثرت جائحة كورونا على صحة ونفسية الأولاد؟

تعدت أضرار وآثار جائحة كورونا ما هو أخطر بكثير بالنسبة لسلامة الأولاد ومستقبلهم، وذلك في أعقاب تشخيص ظواهر خطيرة جدا على الأولاد والمراهقين وأبناء الشبيبة بعد عام من التوتر والخوف والوحدة والامتناع عن ممارسة أي نشاط أو المشاركة في أية

حوار | كيف أثرت جائحة كورونا على صحة ونفسية الأولاد؟

توضيحية (أ ب)

تعدت أضرار وآثار جائحة كورونا ما هو أخطر بكثير بالنسبة لسلامة الأولاد ومستقبلهم، وذلك في أعقاب تشخيص ظواهر خطيرة جدا على الأولاد والمراهقين وأبناء الشبيبة بعد عام من التوتر والخوف والوحدة والامتناع عن ممارسة أي نشاط أو المشاركة في أية فعالية.

وانعكست هذه السلوكيات من خلال اضطرابات في تناول الطعام، وأخرى في النوم ومشاكل في النظر كونهم يقضون معظم أوقاتهم أمام الشاشة الصغيرة، بالإضافة إلى محاولات انتحار وهروب من الواقع وتراجع واضح في كل عملية تطور الطفل الطبيعية.

وبهذا الصدد، أجرى "عرب 48" حوارا مع الخبير النفسي والمدير السابق لوحدة الصحة النفسية في مستشفى الناصرة، د. كمال فرحات، ابن مدينة حيفا.

"عرب 48": نتحدث عن أضرار نفسية وصحية خطيرة باتت تشكل خطرا حقيقيا وربما تهدد حياة الأبناء؛ ما هي أبرز هذه الظواهر وكيف تلاحظونها وتقومون بتشخيصها؟

د. فرحات: يمكن أن نجمل تأثيرات وأبعاد جائحة كورونا تحت عنوانين رئيسيين، الأول هو حالات الخوف والهلع التي يعيشها الأولاد حين يتعرضون لخطر شامل على الإطار العائلي وعلى النظام الوجودي للمجتمع بأكمله. هؤلاء الأولاد عادة ما يستقون الثقة والأمان من الكبار ومن البيئة المحيطة بهم من أخبار وقصص وأحداث وتسرب المعلومات إليهم سواء كانت صحيحة أو غير ذلك، فهم بالتالي يتأثرون من مجمل هذه المعلومات والمصادر. العنوان الثاني هو السلوكيات الذاتية الخاصة بكل واحد من الأولاد حسب حصانته النفسية وقواه العقلية والعاطفية والبيئة التي يعيش فيها.

وعلى المستوى العام لا شك أن البلاد والعالم شهدت عاما من عدم الاستقرار من حيث الأمان الذاتي سواء من الناحية الاقتصادية أو الصحية أو الاجتماعية، إذ لم نعرف الاستقرار وكان التهديد هو المسيطر على الأجواء طوال هذه المدة الزمنية.

"عرب 48": كنا نعيش في عالم من الأرقام ونراقب يوميا أعداد الموتى في البلدان المختلفة حتى أصبحنا نعد الضحايا من حولنا ومن محيطنا؛ كيف يؤثر ذلك؟

د. فرحات: بالفعل كنا وما زلنا نعيش في عالم من الأرقام والنسب ودخلنا في مصطلحات حول "معامل العدوى" الذي نتابعه ونطمئن حين يهبط إلى ما دون 1% ونقلق حين يعاود الارتفاع إلى 3%، بالإضافة إلى أعداد الإصابات وأعداد الوفيات. كل هذه الأرقام إنما تساهم في حالة عدم الاستقرار وعدم الأمان خصوصًا أنه لا يملك الشخص أو حتى الحكومة السيطرة على الوضع، وهذا التهديد كان يزداد ويتفاقم حين كنا نلتزم بكل التعليمات والتوصيات وبالتالي الأرقام تأبى التراجع، وإزاء حالة فقدان السيطرة يشعر الإنسان بتهديد وجودي، هذا التهديد يكون وقعه أخطر من التهديد الاقتصادي والاجتماعي لكونه يلامس البقاء فنحن لا نعلم إذا كنا سنعيش حتى الغد أم لا!! فالأرقام كانت مخيفة ومرعبة إلى درجة تثير القلق، وتضارب الآراء وعدم الاستقرار بقرارات الحكومة التي يرى فيها المواطن بأنها تملك مفاتيح الحل، هذا الارتباك لدى الحكومة إنما ينعكس على المواطن ويفاقم حالة الخطر الوجودي لدى الأولاد.

د. كمال فرحات

"عرب 48": كيف يمكن للأهل في هذه الحالة أن يوفروا الأمن والأمان للأولاد، وهم بأنفسهم يشعرون بذات الخوف والهلع الذي يعيشه الأولاد؟

د. فرحات: نعم الأولاد يلمسون هذا الخوف وهذا الخطر، ليس فقط في نظرات الأهل بل في الواقع الذي يعيشونه، فلا بد لهم أن سمعوا عن جارهم الذي توفي بالفيروس، ومنهم من أغلق صفّهم الدراسي بسبب وجود حالة إصابة بالمرض، سنة كاملة والأولاد يرزحون تحت هذا الضغط الذي انعكس من الأهل على الأولاد وبالتالي لا يوجد ملجأ ولا يوجد من يبدد هذه المخاوف ويزيلها عنهم.

والأولاد عادة يطورون "دفاعات نفسية" يستخدمونها عادة لمواجهة أي تهديد، وهذه الدفاعات النفسية في الظروف العادية يستطيع الأهل الانتباه لها، ومساعدة أولادهم على الخروج منها، وهي جزء طبيعي من تطوّر الأطفال، فهم في مرحلة معينة من الطفولة (بين 6 – 9 سنوات) يفكرون في الموت والخوف من الفقدان، هذا بشكل عام هو جزء من السيرورة الطبيعية لتطور الوعي لدى الأولاد، ويلاحظ أن بعض الأولاد في هذه المرحلة يتراجعون إلى "التبول الليلي" أو طلب النوم في سرير الأبوين، ومن خلال مرافقة الأولاد في هذه المرحلة تعود حياتهم الى مسارها الطبيعي.

لكن ما يحدث اليوم أن هذا التهديد تجاوز مرحلة "التفكير بالموت" الذي يخرج من العقل الباطني، إلى ما هو تهديد حقيقي ويومي والتقلبات السريعة للأحداث والمشاهد المرعبة التي يرونها عبر التلفزيون للمقابر الجماعية والجثث التي تحمل على الشاحنات للدفن في إيطاليا والبرازيل وأميركا، فالأولاد من جيل 4 سنوات يستطيعون استيعاب هذا الأمر وهم قادرون على تطوير سلوكيات خاصة لمواجهة هذا التهديد الوجودي. وهنا ينتقل التهديد الوجودي من عام (على المجتمع) إلى مرحلة تهديد يتمادى على محيطه الشخصي ويهدد الطفل نفسه وأفراد عائلته ويجعله غير قادر على لقاء مع جدّه وجدته، كل هذه الأجواء تخلق بلبلة وأحيانا لا يكون لدى الأولاد القدرة على استيعابها، لكنهم يشعرون بالخوف والخطر المحدق لذلك فإن السلوكيات الدفاعية التي يطورونها تختلف بين ولد وآخر.

"عرب 48": كيف ينعكس هذا الخوف والهلع وحالات الاضطراب على سلوكيات الأولاد؟

د. فرحات: كثيرا ما تكون هذه السلوكيات مفاجئة لأنها لم تمر بمرحلة تحوّل تدريجي وإنما نزلت عليهم كالصاعقة، ويحاول كل واحد أن يهرب إلى ملجئه الخاص، والملجأ الطبيعي للطفل هو الأهل، لكن الأهل أيضا يعيشون ذات الخوف، فحتى الملجأ لم يعد بالنسبة لهم ملجأ آمن، ومن هنا تبدأ السلوكيات تأخذ منحى غير طبيعي، لأن حياتهم اتخذت مسارا غير طبيعي فلم يعودوا إلى المدارس، ولم يشاركوا في فعاليات ولا حفلات ولا مباريات كرة مع الأولاد بل أصبحوا يرون في معلميهم وأولاد صفهم مصدر تهديد وخطر على حياتهم، وهنا لم تعد السلوكيات الدفاعية التي يجتازها الأولاد على مراحل في الحالة الطبيعية واختلط الحابل بالنابل.

ويبدأ بعض الأولاد برؤية أحلام مزعجة ومرعبة، والبعض يعيش حالة من الخوف والهلع غير الطبيعي، فهذه ليست حالة خوف من امتحان، وإنما هي حالة خوف من الفقدان والموت الذي سبب الاكتئاب للكثيرين فقد دخلوا في أجواء الموت وعوامل الخطر تحيطهم من كل اتجاه، وتجعل القوة الداخلية لديه تتآكل، وينطوي على نفسه ويدخل في حالة كآبة، وللكآبة أشكال مختلفة تبدأ من اضطرابات الطعام، وفقدان متعة الحياة، والانزواء وأحيانا يعبر عنها الولد بالبكاء والحزن الشديد، أو بالضغط والعصبية الذي يدفعه إلى تحطيم الأشياء من حوله، والبعض يهرب إلى الطعام ويأكل بكميات كبيرة للتعبير عن النقص الذي يفتقده. أما في ساعات الليل فتنعكس حالة الاكتئاب هذه على الولد أثناء النوم وتخرج من خلال العقل الباطني الذي يداهم أحلامه.

والحلم مركّب من ثلاثة عناصر هي تجارب الماضي، وتجارب الحاضر، والمحفزات والظروف المحيطة التي يعيشها الإنسان، وفي حالات الخوف والقلق لا يستطيع النائم أن يصل إلى حالة النوم العميق الذي يريح الجسم بل يضطرب النوم ويكون سطحيا معظم ساعات الليل ويشعر الشخص بعد استيقاظه بأنه متعب جدا ومرهق، وبالتالي هذا ما يجعل الأولاد يجلسون أمام الكمبيوتر في التعلم عن بعد وهم متعبون ومنهكون.

"عرب 48": كيف يؤثر التعلم عن بعد عبر تطبيق "زووم" على الطلاب في المستقبل، هل ينتزع منهم الأصدقاء وهل تؤثر على قدرتهم في تطوير علاقات وتواصل مع الآخرين؟

د. فرحات: التعلم عن بعد سيخلق العديد من المشاكل، فالأولاد بغالبيتهم ليسوا من "عشّاق" الدراسة، وعندما تتوفر لديهم إمكانية التعلم دون مراقبة جدّية، فإنهم بالتالي يعتادوا على أنهم يستطيعون الحصول على نفس النتيجة دون تعب وجهد والتزام، ويرون بأن سلوكيات الاحتيال أصبحت مشروعة، وبالتالي فإن ذلك سيخلق لدى أولادنا مشاكل دراسية تعتمد على ثقافة الغش، بدل ثقافة المثابرة والتحصيل.

"عرب 48": هل تلاحظون زيادة التوجه للعلاجات النفسية؟

د. فرحات: لا أبالغ إذا قلت لك أن طالبي العلاجات النفسية اليوم يحصلون على موعد مع الطبيب بعد ثلاثة أشهر.. هل تصدق هذا الأمر؟! هنالك سيل لا بل فيضان من التوجهات لعيادات الصحة النفسية.

"عرب 48": هل ستزول حالات الخوف والهلع هذه مع زوال الجائحة؛ أم أنها سترافقهم للمدى البعيد؟

د. فرحات: إنها مثل الشلال الجارف الذي يجرف كل ما في طريقه، فهذا يعتمد على الجهد الذي يبذله كل واحد لأجل التخلص من تبعات وآثار هذا التهديد، لكن هذا يتطلب الوعي الكافي من قبل المسؤولين لسد الفجوات العاطفية التي نشأت لدى الأولاد. وأنا متأكد من أن المسؤولين سواء في البيت (الأهل) أو في المدرسة سيسارعون في سد الفجوات في مواضيع الرياضيات واللغة العربية والعبرية، ولن يلتفتوا إلى الفجوات العاطفية والوجودية التي تدفع بالكثيرين إلى محاولات الانتحار التي تضاعفت هذا العام بمرات عما كانت عليه في السنوات الماضية.

التعليقات